استخلاص معاليم لزمة أسواق بلديّة تونس وإشكالياتها
تمثّل المداخيل المحقّقة من لزمات الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة وحتّى الظّرفيّة منها أحد أهمّ الخدمات المرفقيّة التي تسديها الجماعات المحليّة بطريقة غير مباشرة عبر ذوات خاصّة مستلزمة. فهي توفّر موارد قارّة تحقّق بها توازناتها الماليّة في ظلّ الشّروع في تطبيق نسخة جديدة من نظام اللاّمركزية الإداريّة التّرابيّة الذي أصبح يعرف في دستور 2014 ومجلّة الجماعات المحليّة الصادرة بالقانون الأساسيّ عدد29 لسنة2018 مؤرّخ في 9 ماي 2018 اصطلاحا بـ”الـحكم المحلّي”.
وتستلزم بلدية تونس العاصمة التي تعتبر أهم بلديّة على الإطلاق من حيث أهميّة مواردها وخصوصيّة مركزها القانوني، عددا هامّا من الأسواق الشّعبيّة يصعب ضبطها في هذه الورقة المقتضبة. ولكن يمكن الإتيان على أهمّها بعد تصنيفها إلى أسواق بلديّة أسبوعيّة ويوميّة وظرفيّة.
I – الأسواق الأسبوعيّة
تستلزم بلدية تونس أربع (04) أسواق أسبوعيّة يتعدّى الإقبال عليها حدود المنطقة البلديّة. وهي سوق الملاسين وسوق المنصف باي وسوق السّيارات بالمروج الثّاني وسوق الخميس بحيّ ابن سينا.
استلزمت البلديّة السّوق الأسبوعيّة بالملاسين لمدّة ثلاث سنوات قابلة للتّجديد بداية من سنة 2020 وإلى حلول الأجل سنة 2023، بعد أن قدّر المجلس البلدي أنّ التّرفيع في هذه المدّة سوف تساهم في تطوير المنافسة وتقديم أفضل العروض وضمان موارد قارة للبلديّة والحفاظ على استمراريّة مرفق عمومي. وقد تمّ إجراء اللّزمة طبقا لنظام طلب العروض المتبوع بأفضل العروض. وتقدّر مبلغ عقد اللّزمة بـ336 ألف دينار خلال سنة 2020-2021 بزيادة 10% سنويّا مع احتساب قاعدة مبلغ آخر سنة كحدّ أدنى للزّيادة المنصوص عليها بكرّاس الشّروط.
كما استلزمت سوق بيع السّيارات القديمة وقطاع غيار السّيارات المستعملة بالمروج الثّاني لمدّة سنة قابلة للتّجديد بداية من شهر مارس2021 بمبلغ قدره مليون و400 ألف دينار. غير أنّ المستلزم لم يوف بالتزاماته وامتنع عن دفع الأقساط المستوجبة عند بداية تنفيذ بنود عقد اللّزمة وكرّاس الشّروط. فتولّت البلديّة بعد التّنبيه عليه طبقا للإجراءات القانونيّة فسخ عقد اللّزمة.
وضمانا لاستمرار نشاط هذه السّوق التي تمثّل مركز نشاط حيوي ذي بعد وطني، قامت البلديّة باعتماد صيغ التّصرّف المباشر ضمانا لاستمراريّة هذا المرفق العمومي. وقد بدأ ذلك عن طريق أعوان البلديّة، ثمّ تواصل عن طريق الوكالة البلديّة للتصرّف التابعة لبلدية تونس التي تكفّلت بإدارة السّوق واستخلاص المعاليم المتأتيّة من وقوف أصحاب السّيارات المعروضة للبيع بالسّوق وذلك مقابل نسبة مئوية عن محاصيل المداخيل. وتمتدّ مدّة تصرّف الوكالة في سوق السّيارات إلى حدود آخر شهر فيفري من سنة 2022. ثم سوف تتولّى البلديّة من جديد الإعلان عن طلب عروض استلزام هذا الفضاء التّجاري.
واستلزمت البلدية السّوق الأسبوعيّة بساحة المنصف باي لبيع الدّراجات والطيور والحيوانات الأهليّة لمدّة سنة قابلة للتّجديد بداية من شهر فيفري 2021 وإلى حدود شهر جانفي 2022 بمبلغ قدره 206 ألف دينار.
واستلزمت سوق يوم الخميس الكائن بحيّ ابن سينا لبيع الخضر والغلال بداية من شهر أوت 2020 بمبلغ قدره 40 ألف دينار. وهو فضاء يمتدّ على جزء من سوق السّيارات بالمروج الثّاني.
II – الأسواق اليوميّة
تستلزم بلدية تونس عددا كبيرا من الأسواق اليوميّة تقدر بثلاثين سوقا تساهم في موارد البلديّة بمبلغ يقدّر بـ500 ألف دينار سنويا. وتخضع هذه الأسواق لنظام اللّزمة أيضا باعتماد نظام المعلوم الخاصّ للوقوف أو نظام المعلوم العام للوقوف. ويقصد بنظام المعلوم العام للوقوف استلزام النّصبة بالسّوق اليوميّة بحساب المتر المربّع. كما يقصد بالمعلوم الخاصّ للوقوف هو اعتماد قاعدة خلاص معاليم لزمة النّصبة بالسّوق بحساب اليوم والشّهر.
وعرّف الفصل 69 مجلّة الجباية المحليّة المعلوم العام للوقوف الوارد ضمن القسم الثّالث المتعلّق بالمعاليم الواجبة داخل الأسواق كما يلي:”يستوجب” المعلوم العام للوقوف”على وقوف البضائع والحيوانات وكلّ السّلع التي تعرض للبيع بفناء الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة والظّرفيّة وأسواق الجملة المهيّأة لذلك أو بأماكن محدّدة ومعّينة تخصّصها الجماعة المحليّة لالتقاء الباعة والمشترين. ويحمل هذا المعلوم على البائع”.
ويضيف النّصّ نفسه أنّه “يمكن للجماعة المحليّة أن توظّف معلوم خاصّ للوقوف بالنّسبة إلى الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة والظّرفيّة تضبط تعريفته بقرار من الجماعة المحليّة المعنيّة بعد موافقة سلطة الإشراف إذا أفضى تطبيق المعلوم العام للوقوف إلى مقادير لا تتناسب مع مصاريف التّصرف في السّوق”.
وقد حدّد الأمر الحكومي عدد 805-2016 بتاريخ 13 جوان 2016 المتعلّق بتحديد المعاليم المرخّص للجماعات المحليّة باستخلاصها المعاليم العامّة للوقوف بالأسواق اليوميّة والأسبوعيّة والظّرفية بين 75 مليم و150 مليم للمتر مربّع باليوم. وأحال أمر ضبطها إلى الجماعة المحليّة المعنيّة بمقتضى قرار تصدره في الغرض. كما أحال أمر المعاليم الخاصّة للوقوف داخل هذه الأسواق أيضا إلى السّلطة التّقديريّة للجماعة المحليّة المعنيّة.
وقدحدّدت بلدية تونس المعاليم الخاصّة للوقوف داخل السّوق المركزية بالعاصمة مثلا بمبلغ 90 دينارا في الشّهر بالنّسبة إلى النّصبة الواحدة ومبلغ 60 دينارا للنّصبة الواحدة في الشّهر أيضا. أمّا بالنّسبة إلى سوق منطقة “لاكانيا” بالضّاحية الجنوبيّة للعاصمة، فقد حدّد المجلس البلدي معلوم استلزام نصبة الخضر أو الغلال أو السمك بمبلغ 25 دينارا في الشّهر.
III – الأسواق الظّرفيّة
هي أسواق ترتبط عادة بمواسم عيد الفطر بالنّسبة إلى عدد كبير من المناطق داخل البلاد التّونسيّة وبعيد الإضحى بصفة أخصّ في كافّة المناطق. ويقوم رؤساء الدّوائر بتحديد عدد من مواقع الأسواق الظّرفيّة المعروفة بـ”الرّحبة” لبيع الأضاحي واستلزامها قبل 15 يوما من يوم عيد الإضحى. وتخضع لطلب عروض تتوفّر فيها شروط المنافسة والنّزاهة بين المستلزمين.
وحدّدت بلدية تونس خلال الموسم المنصرم ثلاثة مواقع لبيع الأضاحي. تقع السّوق الأولى بين منطقتي “العمران الأعلى” و”كرش الغابة” في مستوى الطّريق عدد3X بمبلغ قدره 9700 دينار.
واستلزمت بلديّة تونس السّوق الثّانية الواقعة بحيّ ابن سينا ومنطقة الكبّارية بمبلغ قدره 8500 دينار. كما استلزمت السّوق الثّالثة التي تقع بمنطقة الحرايريّة بحيّ الزّهور بمبلغ قدره 700 دينار.
ويوجد أيضا سوق الملاّسين للأضاحي. ولكنّه فضاء يندرج ضمن عقد لزمة السّوق الأسبوعيّة بمقتضى أحكام عقد اللّزمة الذي يمنح للمستلزم حقّ استغلال جزء منه لبيع الأضاحي واستخلاص معاليمها دون أن تحمله التزمات جبائيّة إضافيّة.
IV – الإشكاليات والآفاق
تواجه أعمال لزمات الأسواق سواء التّابعة لمنطقة بلدية تونس أو في غيرها من البلديات صعوبات عديدة تتمثّل في التّأخير في استخلاص المعاليم الواجبة بحلول الأجل من المستلزمين خلال السّنتين المنصرمتين وإلى الآن بفعل القرارات الحكوميّة القاضية بغلق الأسواق لمدّة طويلة تنفيذا لمقتضيات البروتوكولات الصّحيّة.
وأخذا بمبادئ القوّة القاهرة والأمر الطارئ وفعل الأمير، تضطّر البلديّة إلى التّخلّي عن المطالبة باستحقاقاتها ممّا ينجرّ عنه اضطرابات في المداخيل والموارد الماليّة القارّة التي كانت أقامت عليها بعضا من برامجها الاستثماريّة. وبالفعل، قرّر المجلس البلدي لبلديّة تونس العاصمة المنعقد في دورته الثّالثة بتاريخ 16 أوت2021 إعفاء مستلزمي الأسواق الأسبوعيّة بمنطقة بلديّة المكان من دفع المعاليم المستوجبة خلال الأسابيع التي تمّ فيها تعليق العمل بالأسواق الأسبوعيّة بمقتضى القرارات الصّادرة عن سلطة القرار. وكان آخرها القرار المشترك الصّادر عن ولاة تونس الكبرى (تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس) إثر اجتماعهم المنعقد يوم الاثنين 12 جويلية 2021 والقاضي بالتّمديد بالعمل بالقرارين المشتركين الصّادرين عنهما تباعا يومي 30 جوان و6 جويلية 2021، إلى حدود تاريخ 31 شهر جويلية المنصرم.
وللتّمتّع بهذا الإعفاء، يتوجّب على كلّ مستلزم لسوق أسبوعيّة أن يقدّم مطلبا في ذلك إلى اللّجنة المكلّفة بالشّؤون الماليّة والاقتصاديّة ببلديّة تونس العاصمة التي تفحص الطّلب بعد التثبّت من عدد الأسواق التي تمّ تعليق العمل بها بقرارات صادرة عن والي الجهة. ثمّ تحيلها إلى المجلس البلدي للمصادقة عليها وإحالتها إلى القباضة الماليّة البلديّة لتنفيذها. وتتمّ عمليّة طرح المعاليم المستوجبة عن عقود لزمة الأسواق الأسبوعيّة بحساب عدد الأسابيع التي تمّ فيها تعليق الانتصاب بالسّوق. و تتمّ قسمة ثمن اللّزمة السّنوي على اثنين وخمسين أسبوعا بالسّنة للحصول على ثمن الأسبوع الواحد. ويتمّ على ضوئه طرح المبالغ التي توافق عدد الأسابيع التي تعطّل فيها العمل.
ومهما يكن من أمر هذه الصّعوبات الطّارئة، تمثّل الأسواق أهمّ الأنشطة المرفقيّة للبلديات لما توفّره من خدمات للمواطنين ومن مداخيل منتظمة للجماعة المحليّة. لذلك انخرطت بلدية تونس في برنامج تهيئة الأسواق البلديّة اليوميّة باعتمادات كبيرة، منها سوق الجبل الأحمر بمبلغ 900 ألف دينار وسوق حيّ الزّياتين بمبلغ مليون و100 ألف دينار وسوق حيّ هلال باعتماد 500 ألف دينار وسوق نهج السّاحل بمبلغ 500 ألف دينار وسوق حيّ الزّهور باعتماد 800 ألف دينار وسوق جبل الجلود بمليون و100 ألف دينار.
د. الناصر المكني