مشروع قانون المالية لسنة 2025: الإجراءات الجبائية والمالية أمام مجلس وزاري يوم الاثنين 30 سبتمبر 2024
13 octobre 2024

حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد في تونس

 

حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد في تونس:
فرصة جديدة أم تحديات جديدة؟

 

في إطار الجهود المبذولة لإصلاح نظام التقاعد في تونس، تم إحداث حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد بموجب القانون عدد 40 لسنة 2009 المؤرخ في 8 جويلية 2009. ويهدف هذا الحساب إلى تمويل المصاريف المتعلقة بالإحالة المبكرة على التقاعد وتقديم دعم مالي إضافي للراغبين في ذلك. لكن يبقى من الأهمية بمكان فهم دوره وتأثيره على نظام التقاعد.

حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد هو حساب خاص في الخزينة، يخضع لإشراف الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية. يتم تمويله بموارد متعددة ومتنوعة، بما في ذلك نسبة من مردود الزيادة الخصوصية الموظفة على التبغ والوقيد ونسبة من مردود المعلوم على الألعاب وهذا يعكس جهود الحكومة التي تهدف إلى تحسين إدارة الموارد المالية المخصصة للمتقاعدين. وبلغت موارد الحساب سنة 2022 ما قدره 2,626 مليون دينار دون تسجيل أية مبالغ مدفوعة.

ويمكن القول ان إحداث حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد، في تونس جاء استجابة لعدة دوافع وأهداف من بينها منح مرونة إضافية لنظام التقاعد وتشجيع الموظفين العموميين على اختيار التقاعد المبكر.

من أجل نظام تقاعد أكثر مرونة

تُظهر الأرقام المتعلقة بالوظيفة العمومية في تونس، أن عدد الموظفين سنة 2023 بلغ حوالي 700.000 موظف، ويشمل هذا الرقم الموظفين العاملين في الوزارات، الجماعات المحلية، والمؤسسات العمومية،  في حين بلغت كتلة الأجور خلال نفس السنة حوالي 22.7 مليار دينار، أي ما يمثل حوالي 49.1%  من موارد ميزانية الدولة و16% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمعايير الدولية.( https://www.ilboursa.com/marches/reduction-du-nombre-de-fonctionnaires-pas-d-autre-alternative-pour-le-gouvernement_40833)

البلد

النسبة %

تونس

16

دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)

بين 5 و10

فرنسا

12

ألمانيا

9

 

يهدف إحداث الحساب إلى تقديم خيارات مرنة للأفراد الذين قد يكونون في وضع صحي أو اجتماعي يتطلب التقاعد قبل بلوغ السن القانونية من خلال السماح للموظفين العموميين بالتقاعد المبكر. هذه المرونة تساعد في تلبية احتياجات الموظفين وتوفير حل بديل دون التأثير الكبير على وضعيتهم المادية.

وتساعد الإجراءات الاستثنائية التي يمولها الصندوق على تخفيف الضغط على نظام التقاعد في السن القانونية الذي يعاني من اشكاليات مالية متواصلة. ومن خلال تخصيص حساب خاص لتمويل التقاعد المبكر، يمكن إدارة النفقات بشكل أكثر فعالية وتفادي التأثير السلبي على الصناديق الاجتماعية وذلك بتجنيبها الأعباء المالية الإضافية المترتبة عن الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بالتقاعد المبكر للموظفين العموميين.

تشجيع التقاعد الطوعي

يشجع إحداث هذا الحساب، الموظفين على التقاعد الطوعي مبكرًا بدلاً من الانتظار حتى بلوغ السن القانونية. ويكون هذا النظام مفيدًا للموظفين الذين يرغبون في التقاعد بسبب ظروف صحية أو رغبة منهم في تغيير مسار حياتهم المهنية، ويعزز في الوقت ذاته من استقرار نظام التقاعد من خلال إدارة التدفقات التقاعدية بشكل أكثر تنسيقًا.

ويخصص هذا الحساب لتغطية النفقات الاستثنائية المتعلقة بالإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية، بما في ذلك الجرايات والمساهمات الاجتماعية. ومن خلال تخصيص موارد محددة لهذا الغرض، يمكن ضمان توفر التمويل اللازم دون التأثير على الميزانية العامة أو الأنظمة الأخرى.

مقارنة بالتجارب العالمية

توجد تجارب مماثلة في عدة دول تهدف بدورها إلى تحسين نظام التقاعد من خلال تطبيق برامج مماثلة للإحالة المبكرة على التقاعد وتوفير تمويل خاص لهذه الإجراءات من أهمها:

البلد

البرنامج

ملاحظة

الولايات المتحدة الأمريكية

برنامج التقاعد المبكر(Early Retirement Program)

يُتيح البرنامج للموظفين العموميين والفيدراليين التقاعد قبل بلوغ السن القانونية دون فقدان مزايا التقاعد بالكامل، بشرط أن يكون لديهم عدد محدد من سنوات العمل . يتم تمويل هذا البرنامج من خلال صندوق التقاعد الفيدرالي ويشمل ضوابط خاصة لتقليل الأثر المالي على النظام.

ألمانيا

 

نظام التقاعد المبكر للموظفين في القطاع العام Besonderes Altersruhegeld

يسمح للموظفين في القطاع العام بالتقاعد قبل بلوغ السن القانوني بشرط تلبية معايير معينة، مثل سنوات العمل والاشتراكات في نظام التقاعد. يتمتع هذا النظام بمرونة أعلى مقارنة بأنظمة التقاعد العامة، يتم تمويل هذا النظام عبر صناديق التقاعد الخاصة بالحكومة، مع توفير تعويضات مالية إضافية للموظفين الذين يتقاعدون مبكرًا.

فرنسا

نظام التقاعد المبكر للموظفين في القطاع العام la retraite anticipée” أو “retraite anticipée pour carrière longue”

يسمح للموظفين العموميين بالتقاعد المبكر بناءً على سنوات العمل المحددة. يتم دعم هذا النظام من خلال حسابات مالية خاصة وميزانيات مخصصة في ميزانية الدولة لتغطية نفقات التقاعد المبكر.

كندا

برنامج التقاعد المبكر (Early Retirement Option)

يُتيح البرنامج للموظفين التقاعد المبكر مع تقديم تعويضات مالية إضافية بناءً على سنوات العمل. يتم تمويل هذا البرنامج من خلال صندوق التقاعد الوطني ويشمل تدابير لموازنة تأثير التقاعد المبكر على نظام التقاعد.

 

 

تُظهر هذه التجارب أن هناك تنوعًا في كيفية تعامل الدول مع الإحالة المبكرة على التقاعد مع اختلاف الأساليب المستخدمة في تمويل هذه البرامج وإدارتها، ولكن الهدف الأساسي هو توفير مرونة أكبر للموظفين ودعمهم ماليًا خلال فترة التقاعد المبكر.

وتشترك مختلف التجارب في عدة جوانب. فمن حيث التمويل تعتمد جميعها على تمويل خاص أو صناديق مالية لدعم نفقات التقاعد المبكر، مما يعزز الاستدامة المالية للأنظمة. كما أنها تهدف إلى إدخال مرونة على نظام التقاعد المبكر، مما يساهم في تحسين رضا الموظفين وضمان استمرارية نظام التقاعد.

ورغم تشابه التجارب المذكورة إلا أنها تتضمن خصوصيات واختلافات على غرار مصادر التمويل المستخدمة بين الدول، بما في ذلك الضرائب الخاصة، وصناديق التقاعد، والميزانيات الحكومية. كما تختلف الشروط والأحكام المتعلقة بالتقاعد المبكر بين الدول، بما في ذلك سن التقاعد وعدد سنوات الخدمة المطلوبة والمزايا المقدمة.

التجربة التونسية لا تخلو من النقائص

توفر دراسة هذه التجارب رؤى قيمة لتحسين نظام التقاعد في تونس، بما في ذلك كيفية إدارة تمويل التقاعد المبكر وتقديم الدعم المالي للموظفين. ورغم أن إنشاء حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد يحمل العديد من الفوائد، إلا أنه لا يخلو من النقائص والتحديات. ويمكن أن نذكر منه أولا الاعتماد على مصادر تمويل محددة. حيث يعتمد الحساب على مصادر تمويل خاصة مثل الضرائب على التبغ والألعاب، التي قد تكون غير مستقرة مما يؤثر على قدرة الحساب على تغطية النفقات بشكل منتظم. ففي حالة انخفاض الموارد المخصصة قد يواجه الحساب صعوبات في تمويل التكاليف المطلوبة وهو ما من شأنه أن يؤثر على قدرة الحساب على الوفاء بالالتزامات تجاه المتقاعدين.

كما تطرح إدارة النفقات الاستثنائية تحديات عدة. حيث يمكن أن تكون العملية معقدة، خاصة إذا كانت هناك زيادة غير متوقعة في عدد طالبي الانتفاع بإجراءات التقاعد المبكر. وتتطلب مواجهة هذه التحديات تخطيطًا دقيقًا وضمان توفر موارد كافية لتغطية جميع النفقات التي تتطلبها الإجراءات الاستثنائية.

ومما يزيد من التحديات صعوبة التنبؤ بالنفقات المتعلقة بالإجراءات الاستثنائية والتي قد تكون غير قابلة للتنبؤ بدقة، مما يجعل من الصعب تحديد المبالغ المطلوبة مسبقًا والتخطيط لها بشكل ملائم. وكنتيجة لذلك فإن تمويل التقاعد المبكر من خلال هذا الحساب قد يؤثر على الموارد المالية المتاحة لأنظمة التقاعد الأخرى أو على الميزانية إذا لم يتم إدارة الموارد بشكل فعال.

ومن بين النقائص كذلك استثناء بعض الفئات من الانتفاع بموارد هذا الحساب على غرار موظفي الجماعات المحلية وبعض المؤسسات العمومية والذين قد يشعرون بعدم الإنصاف وهو ما يمكن أن ينعكس على المناخ الداخلي لهذه المؤسسات.

أما من حيث شروط الانتفاع والضوابط المتعلقة بالإحالة المبكرة على التقاعد فإنها تعتبر صارمة بالنسبة لبعض الفئات، مما قد يحول دون استفادة بعض الموظفين من إجراءات الإحالة على التقاعد المبكر رغم أنهم يستوفون الشروط المطلوبة.

كما لا تخلو إجراءات الانتفاع بتدخلات الحساب من تعقيدات الإجراءات الإدارية. ذلك أن إجراءات تقديم مطالب التقاعد المبكر ومراجعتها قد تكون معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً والذي يؤدي بدوره إلى تأخير في معالجة المطالب وفي تقديم الدعم المالي للموظفين المتقاعدين بصورة مبكرة.

كما أن تسيير اللجان المختلفة وإدارتها قد يكون معقدا، خاصة فيما يتعلق بتنسيق القرارات ومتابعة تنفيذها والذي يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين مختلف الجهات المعنية.

ويمثل تأمين الاستدامة المالية للحساب تحديًا كبيرا خاصة إذا لم تكن الإيرادات كافية لتغطية النفقات بشكل دائم ومسترسل. ويتطلب تحقيق الاستدامة المالية تقييمًا مستمرًا وتعديلات في السياسات لضمان استمرارية التمويل.

ويعد حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد خطوة هامة نحو تحسين نظام التقاعد في تونس، ويعكس التزام الحكومة بتوفير خيارات مرنة للموظفين المتقاعدين. ومع ذلك فإنه لا يخلو من النقائض التي يتوجب تداركها. فنجاح هذا الحساب يعتمد على فعالية إدارة الموارد ومراقبة النفقات، وضمان استمرارية التمويل من المصادر المحددة. ويتطلب الأمر متابعة مستمرة وتقييم دوري لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتعزيز استدامة نظام التقاعد.

مقترحات لتحسين النظام

يتطلب حساب تمويل الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد اتخاذ خطوات متعددة لتجاوز النقائص التي يعرفها لضمان تحقيق أهدافه. وفيما يلي بعض الاقتراحات لتحسين هذا النظام:

من بين متطلبات تحقيق الاستدامة تنويع مصادر التمويل وذلك بتوسيع قاعدة الإيرادات.كما يمكن التفكير في إضافة مصادر تمويل جديدة ومستقرة وأن لا يتم الاقتصار على الضرائب الخاصة مثل التبغ والألعاب و يمكن ان تشمل هذه المصادر معاليم إضافية، أو استثمارات، أو شراكات مع القطاع الخاص.

هذا بالإضافة إلى ضرورة تحسين إدارة الإيرادات التي تتوفر من المصادر الحالية والتأكد من استقرارها على المدى الطويل من خلال تنويع الاستثمارات والأنشطة مصدر الإيرادات.

كما يتطلب تحقيق الاستدامة تحسين إدارة النفقات وذلك بوضع خطط مالية دقيقة للتعامل مع النفقات الاستثنائية، مع مراعاة التقديرات المستقبلية واحتمال زيادة عدد الطلبات والذي يستدعي تطبيق نظم مراقبة ومراجعة فعالة لضمان الاستخدام الأمثل للموارد وتجنب إهدارها.

بالإضافة إلى المقترحات السابقة يمثل تسهيل إجراءات تقديم مطالب التقاعد المبكر مسألة أساسية في تحسين نجاعته. ويتطلب ذلك تبسيط الإجراءات وتوحيدها وتقليل الوثائق المطلوبة بما يقلص من الوقت المستغرق لمعالجة المطالب المقدمة مع تحسين التنسيق بين اللجان المسؤولة عن دراسة المطالب واتخاذ القرارات.

ومن المهم أيضا تعزيز الشفافية والمساءلة بنشر تقارير دورية تخبر عن حالة الحساب وتفاصيل النفقات التي يسجلها والإيرادات التي يحصلها لضمان شفافية التصرف فيه وتقييم فاعلية النظام. كما يقتضي تعزيز الشفافية والمسائلة القيام بمراجعات دورية مستقلة للحساب من أجل ضمان سلامة التصرف في موارده وحمايتها من التجاوزات أو سوء التصرف.

ويمثل الإطار التشريعي عنصرا هاما في إنجاح نظام الإجراءات الاستثنائية للإحالة على التقاعد لذلك فهو يتطلب مراجعة وتحديثا للنصوص القانونية ذات الصلة لدعم قدرته على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

ويعتبر التقييم التشاركي أداة هامة في إنجاح هذه المهمة فهي تقوم على استشارة أصحاب المصلحة والاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم، بما في ذلك الموظفين والمتقاعدين، لضمان تلبية احتياجاتهم وتحسين النظام.

كما يتطلب هذا النظام تنظيم حملات توعية وتأطير للموظفين حول كيفية التقديم للحصول على التقاعد المبكر وفوائد هذا النظام. ويمكن أن تساعد هذه الحملات في زيادة الوعي وتقليل الإشكاليات المرتبطة بالإجراءات.

كما أن تقديم دعم إضافي للموظفين الذين يتقاعدون مبكرًا من خلال استشارات مالية وخدمات مساعدة لتسهيل انتقالهم إلى الحياة بعد التقاعد يعد أمرا أساسيا في إنجاحه.

ويعد التقييم الدوري لأداء النظام ومدى فعاليته في تحقيق الأهداف المحددة لتشمل هذه التقييمات جمع وتحليل البيانات المتعلقة بسير النظام والوقوف على مدى نجاحه في تلبية احتياجات المتقاعدين. أداة أساسية لتطويره.

وتتطلب استدامة النظام وضع استراتيجيات لضمان استدامة التمويل على المدى الطويل، بما في ذلك تحسين إدارة الاستثمارات وإعادة تقييم مصادر التمويل بشكل دوري.

 

 
 
 
 
 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *