أيّ دور للقطاع السّياحي في تمويل ميزانيّة الجماعات المحليّة؟
يعدّ قطاع السّياحة في تونس من أهمّ القطاعات التي تدرّ عوائد ماليّة كبيرة. فهو يساهم في دفع النّمو الاقتصادي، ويساعد على تحقيق التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ويوفّر فرصا جديّة لخلق الثّروة، ويخفّف من حدّة المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وقد وجدت تونس، على غرار دول أخرى، في هذه الصّناعة (السّياحة) بديلا لاستغلال مواردها السّياحيّة بشكل يضمن استدامتها ويعوّضها عن الاعتماد على مصادر الثّروة النّاضبة.
ويتعيّن على الجماعات المحليّة أن توفّر موارد ماليّة هامّة وقارّة تمكّن من تحقيق الأهداف والخطط التّنمويّة المرسومة، باعتبار المهام والصّلاحيات التي أسندت إليها طبقا لدستور 2014 ولمجلّة الجماعات المحليّة الصادرة بالقانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018، ونظرا إلى دورها الفعّال في التّنمية المحليّة لطبيعة قربها من المواطن.
وتعتبر الجماعات المحليّة التي توجد بها مؤسّسات سياحيّة محظوظة بالنّسبة إلى غيرها من الجماعات المحليّة. ذلك أنّه علاوة على الدّور التّنمويّ الذي يلعبه القطاع فإنّه يساهم، في الظّروف العادية، في تعبئة مواردها الجبائيّة وتمويل ميزانياتها.
فما هي المؤسّسات السّياحيّة المعنية بتوفير موارد جبائيّة للجماعات المحليّة وكم تبلغ مساهمتها؟
وسنعرّف في هذا المقال بالمساهمات الجبائيّة لقطاع السّياحة الرّاجعة للجماعات المحليّة والمنصوص عليها بمجلّة الجباية المحليّة الصادرة بالقانون عدد 11 لسنة 1997 المؤرّخ في 3 فيفري 1997، تحت عنوان المعلوم على النّزل.
شهد القطاع السّياحي أزمة حادّة جرّاء تفشي وباء كورونا. ممّا انعكس سلبا على موارد ميزانيّة الدّولة وعلى موارد الجماعات المحليّة. ففي الوقت الذي كانت تونس تأمل في نموّ السّياحة سنة 2020 بأكثر من 3 %، مقارنة بسنة 2019، أصبحت أمنيات القطاع في ان لا تتجاوز نسبة الانكماش 50 %. وبالرّغم من ذلك فإنّ الموارد المتأتيّة من المعلوم على النّزل بلغت خلال سنة 2019 ما قدره 29,1 م د أي ما يساوي 5,2 % من جملة المداخيل الجبائيّة. فما هي المؤسّسات التي ساهمت في توفير هذه الموارد لفائدة الجماعات المحليّة؟
I – أولا : مجال تطبيــــــق المعلوم على النّزل |
طبقا لأحكام الفصل 41 من مجلّة الجباية المحليّة يستوجب المعلوم على النّزل على مستغلي المؤسّسات السّياحيّة التي تستجيب للشّروط المنصوص عليها بالمرسوم عدد 3 لسنة 1973 المؤرّخ في 3 أكتوبر 1973 كما تمّت المصادقة عليه بالقانون عدد 58 لسنة 1973 المؤرّخ في 19 نوفمبر 1973 المتعلّق بمراقبة التّصرّف في المؤسّسات السّياحيّة والذي بمقتضاه ” تعتبر مؤسّسة سياحيّة كلّ مؤسّسة تستقبل حرفاء سياحيّين وتقدّم لهم خدمات تتمثّل في الإقامة والمأكل والمشروبات أو تنظّم ما يرفّه عنهم “.
وطبقا لأحكام الفصل الأوّل من الأمر عدد 457 لسنة 2007 المؤرّخ في 6 مارس 2007 المتعلّق بترتيب المؤسّسات السّياحيّة ترتّب المؤسّسات السّياحيّة التي تقدّم خدمات متمثّلة في إيواء الحرفاء في عشر مجموعات، وذلك حسب مميّزاتها الماديّة وقيمة خدماتها وتجهيزاتها، كما يلي :
1) النّزل السّياحيّة،
2) نزل إقامة،
3) القرى السّياحيّة،
4) الإقامات المرحليّة،
5) الإقامات العائليّة،
6) المخيّمات السّياحيّة،
7) النّزل ذات الطّابع المميّز،
8) الإقامات الرّيفيّة،
9) الإقامات السّياحيّة،
10) الاستضافات العائليّة.
وبالاعتماد على النّصين المذكورين يستنتج أنّ المعلوم على النّزل لا يستوجب على كلّ المؤسّسات السّياحيّة التي تقدّم خدمات متمثّلة في إيواء الحرفاء، بل يقتصر مجال تطبيقه على المؤسّسات السّياحيّة المصنّفة التي تستقبل حرفاء سياحيّين، وتقدّم لهم خدمات تتمثّل في الإقامة والمأكل والمشروبات أو تنظّم ما يرفّه عنهم.
و يتعلّق الأمر بـــــــــــــ :
• النّزل السّياحي وهو المؤسّسة التي تقدم خدمات إيواء في شكل غرف أو أجنحة فاخرة أو منازل شاطئية، وتتولّى تأمين جملة من الخدمات في فضاءات مشتركة معدة للغرض ومفتوحة للعموم حسب صنف النّزل، وذلك للكراء الوقتي وتخضع لقواعد التّصرّف الفندقي المضبوطة بالتّشريع الجاري به العمل،
• نزل الإقامة وهو المؤسّسة السّياحيّة التي تقدّم خدمات إيواء في شكل شقق أو منازل شاطئيّة تضمّ مطابخ صغيرة وذلك للكراء الوقتي وتخضع لقواعد التّصرّف الفندقي المضبوطة بالتّشريع الجاري به العمل، وتتولّى تأمين جملة من الخدمات والأنشطة في فضاءات مشتركة معدّة ومهيّأة للغرض ومفتوحة للعموم حسب صنف النّزل،
• نزل ذو طابع مميّز وهو المؤسّسة السّياحيّة التي يتمّ إنشاؤها داخل بناية أو وسط محيط يتميّزان بطابع معماريّ وتاريخيّ خاصّ، وتقدّم هذه المؤسّسة خدماتها إلى حرفائها المقيمين بها بصفة مشخّصة وتخضع في تصرفها لقواعد التّصرّف الفندقي المضبوطة بالتّشريع الجاري به العمل.
وبالتّالي فإنّ النّزل غير المصنّفة والقرى السّياحيّة والإقامات المرحليّة والإقامات العائليّة والمخيّمات السّياحيّة والإقامات الرّيفيّة والإقامات السّياحيّة والاستضافات العائليّة تساهم بدورها في تمويل ميزانيّة الجماعات المحليّة، ولكن في مجال المعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصّناعيّة أو التّجاريّة أو المهنيّة.
ويجدر التّذكير بأنّ المطاعم المصنـّـفة سياحية طبقا لأحكام الأمر عدد 432 لسنة 1989 المؤرّخ في 31 مارس 1989 المتعلّق بتصنيف المطاعم السّياحيّة تعتبر مؤسّسات سياحيّة خاضعة للمعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصّناعيّة أو التّجاريّة أو المهنيّة باعتبارها لا تقدّم لحرفائها خدمات الإيواء.
كما تجدر الملاحظة أنّه بالنّسبة إلى الحالات الاستثنائيّة التي تكون فيها المؤسّسة السّياحيّة مسوّغة يخضع مستغلّها للمعلوم على النّزل على أساس المقابيض الخام ويخضع المسوّغ (أي المالك) للمعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصّناعيّة أو التّجاريّة أو المهنيّة على أساس معين الكراء.
ولغاية اجتناب الازدواج الضّريبي أعفى الفصل 36 من مجلّة الجباية المحليّة صراحة المؤسّسات السّياحيّة الخاضعة للمعلوم على النّزل من دفع المعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصناعيّة أو التّجاريّة أو المهنيّة.
II – ثانيا: قاعدة ونسبة احتساب المعلوم |
طبقا لأحكام الفصل 42 من مجلّة الجباية المحليّة يحتسب المعلوم على النّزل على أساس رقم المعاملات الجملي الخام المتأتيّة من الاستغلال وكذلك من الأنشطة المرتبطة به بما في ذلك العروض المنظّمة في نطاق نشاط المؤسّسة لفائدة الحرفاء المقيمين وذلك بنسبة موحّدة تساوي 2%.
III – ثالثا: كيفيّة دفع المعلوم |
طبقا لأحكام الفصل 44 من مجلّة الجباية المحليّة يدفع المعلوم على النّزل على أساس تصريح شهري يودع في نفس تاريخ إيداع التّصريح بالأداء على القيمة المضافة أي خلال الخمسة عشر يوما الأولى من كل شهر بالنّسبة إلى الأشخاص الطّبيعيّين أو خلال الثّماني عشر يوما الأولى من كلّ شهر بالنّسبة إلى الأشخاص المعنويّين. ويمكن إيداع التّصريح لدى القباضة الماليّة المختصّة ترابيّا أو عن طريق منظومة التّصريح ودفع الأداء عن بعد أو التّصريح عن بعد والدّفع لدى القباضة الماليّة. ويجب أن يتضمّن التّصريح مهما كانت طريقة ايداعه الإرشادات التّالية:
– عنوان المقرّ الاجتماعي للمؤسّسة والمعرّف الجبائي،
– عدد الفروع الموجودة بتراب كلّ جماعة محليّة وعناوينها ومساحاتها،
– رقم المعاملات الجملي الخام.
IV – رابعا: توزيع المعلوم على النّزل |
بالنّسبة إلى المؤسّسات السّياحيّة المتعدّدة الفروع والتي يمتدّ نشاطها إلى عدّة جماعات محلية فإنّ المعلوم يوزّع شهريّا على الجماعات المحليّة المعنية باعتبار المساحة المغطّاة لكلّ فرع موجود بكلّ جماعة محليّة على المساحة الجمليّة للمقرّات التي تأوي نشاط المؤسّسة.
وعلاوة على توزيع المعلوم بالنّسبة للمؤسّسات متعدّدة الفروع بين الجماعات المحليّة المعنية، فإنّ المعلوم يكون محلّ توزيع ثان 1 ثان وليس مرة ثانية بالرّجوع إلى تصنيف البلديّة المعنيّة وذلك بين البلديّة التي يوجد بترابها فرع المؤسّسة السّياحيّة وصندوق حماية المناطق السّياحيّة وهو صندوق خاصّ في الخزينة أحدث في إطار قانون المالية لسنة 1993 نظرا لما يحظى به المحيط السّياحيّ من عناية هامّة من قبل الدّولة ويتمثّل دوره في تمويل مشاريع تحسين وتطوير البنية الأساسيّة في المناطق السّياحيّة من طرقات وتنوير وتجميل وترصيف، وذلك بالتّعاون مع البلديات والمجالس الجهويّة للتّنمية دعما للمسالك السّياحيّة التي تربط النّزل بالمواقع التّجاريّة والفضاءات الخدماتيّة وغيرها. وتتمثّل تدخّلاته في إعانات تمنح للبلديات السّياحيّة لدعم عملها في مجال النّظافة والتّطهير.
وبهدف تيسير تدخلات الصّندوق تم بمقتضى الأمر عدد 822 لسنة 1994 المؤرّخ في 11 أفريل 1994 ضبط قائمة المناطق البلديّة السّياحيّة و يتمّ تحيين هذه القائمة دوريّا.
فإذا كانت المؤسّسات السّياحيّة موجودة خارج المناطق البلديّة السّياحيّة يرجع كامل المعلوم على النّزل إلى بلديّة التي تأوي هذه المؤسّسة في حين يوزّع المعلوم على النّزل بالنّسبة إلى المؤسّسات الموجودة بالمناطق البلديّة السّياحيّة في الحدود التّالية:
• 50 % لفائدة ميزانيّة البلديّة التي تأوي المؤسّسة،
• 50% لفائدة صندوق حماية المناطق السّياحية.2 الفصول 38 إلى 40 من القانون عدد 122 لسنة 1992 المؤرخ في 29/12/1992 المتعلق بقانون المالية لسنة 1993
V – خامسا: مراقبة المعلوم والاستخلاص والنّزاعات والعقوبات |
بما أنّ التّصريح بالمعلوم على النّزل من قبل الخاضعين له يتمّ بصفة تلقائيّة، فهو يبقى خاضعا للمراقبة الجبائيّة وذلك لتصحيح الأخطاء التي قد ترتكب في قاعدة احتساب المعلوم أو في تطبيق نسبته أو في صورة الإغفال عن التّصريح. ويتولّى أعوان المراقبة الجبائيّة القيام بمراقبة أو مراجعة المعلوم في حدود آجال التّقادم.
وتتمّ عمليات المراقبة المذكورة طبقا للأحكام المتعلّقة بالواجبات والمخالفات والعقوبات والتّقادم المطبّقة على الضّريبة على دخل الأشخاص الطّبيعيّين والضّريبة على الشّركات.
وبالنّسبة إلى أجال التّقادم فقد حدّدها المشرّع إذ نصّت مجلّة الجباية المحليّة إنّه يمكن تدارك الإغفالات الجزئيّة 3 الاغفال الجزئي يتمثل في التصريح بالمعلوم ولكن مع تقليص في القاعدة او عند تطبيق نسبة خاطئة التي وقعت معاينتها في أساس المعلوم على النّزل وكذلك الأخطاء المرتكبة في تطبيق النّسب إلى انتهاء السّنة الرّابعة الموالية للسّنة المستوجب بعنوانها المعلوم على النّزل وهي نفس الأحكام المطبّقة في مادّة الضّريبة على دخل الأشخاص الطبيعيّين والضّريبة على الشّركات.
وفي صورة دفع المعلوم بدون موجب أو على وجه الخطأ فإنّه يمكن تقديم مطلب استرجاع لدى مصالح المراقبة الجبائيّة المعنية بالأمر ويسقط حقّ الاسترجاع بمرور 3 سنوات ابتداء من التّاريخ الذي أصبح فيه الاسترجاع من حقّ المطالب بالأداء.
وبخصوص نزاع المعلوم على النّزل وزجر العقوبات فهو يتمّ طبقا لأحكام مجلّة الحقوق والإجراءات الجبائيّة الصّادرة بالقانون عدد 82 لسنة 2000 المؤرخ في 9 أوت سنة 2000.
وفي الختام يمكن القول إنّ المشرّع ربط المعلوم على النّزل بالأداءات الرّاجعة للدّولة ولم يترك أي مجال تدخّل للبلديات في ضبط المعلوم أو مراقبته ويقتصر دورها في إحصاء العقارات بمناسبة الإحصاء العشري أو بمناسبة تحيينه. ولا يمكن للبلديات حتّى التّأكد من مراقبة التّصاريح المودعة من قبل الفروع الموجودة بترابها على عكس المعلوم على المؤسّسات باعتبار أنّ المعلوم على النّزل لا يخضع للحدّ الأدنى.
كما أنّ مجلّة الجماعات المحليّة وفي إطار الإرساء التّدريجي للاّمركزيّة لم تمنح للبلديات إمكانيّة ضبط المعلوم على النّزل إذ لم يتم إدراج فصول مجلّة الجباية المحليّة المتعلّقة بالمعلوم على النّزل ، ضمن أحكام الفصل 391 من مجلّة الجماعات المحليّة والتي سينتهي العمل بها، في حين أنّ
الجماعات المحليّة تسدي عديد الخدمات لهذه المؤسّسات وخاصّة في مجال النّظافة إذ تفرز فضلات غير عادية يستوجب رفعها تخصيص معدّات ودورات مختلفة عن تلك المخصّصة لرفع الفضلات المنزليّة أو المحلاّت الصّناعيّة والتّجاريّة. وبناء على هذا المعطى (الفضلات غير العادية)أقدمت بعض البلديات على إبرام اتّفاقيات مع المؤسّسات السّياحيّة طبقا لأحكام الفصل 91 من مجلّة الجباية المحليّة الذي يخوّل للبلديات المطالبة بمعاليم عن خدمات عموميّة وهي” رفع الفضلات المتأتيّة من نشاط المحلاّت التّجاريّة أو الصّناعيّة أو المهنيّة ” مقابل دفع أجر، إلاّ أنّ هذا الطّلب جوبه بالرّفض من قبل مصالح التّشريع الجبائي الرّاجعة بالنّظر إلى وزارة الماليّة بتعلّة أنّ الوزارة تعهّدت أمام البرلمان بأن لا تدفع المؤسّسات السّياحيّة أي معلوم زيادة عن المعلوم على النّزل في صورة المصادقة على نسبة 2 % الموظّفة على هذه المؤسّسات.
عائشة قرافي
حرم الحصني
مستشارة اختصاص حوكمة ومكافحة الفساد