الجباية المحليّة… هل يلتزم المواطن بخلاص معاليم الأداء البلدي؟
تلعب البلديات دورا مهمّا في إرساء اللاّمركزية. فهي بتمويل نفسها ذاتيّا تحقّق الخدمات المطلوبة للمجموعة المحليّة. وتعتبر الأداءات بمختلف أنواعها من الموارد الأساسيّة للجماعات المحليّة خاصّة في الوقت الذي بات فيه الحديث عن الحكم المحلّي من بين المحاور الأساسيّة في توفير المناخ الملائم للاستثمار.
لكن قد لا يتحقّق ذلك بيسر في الوقت الذي تعاني فيه أكثر البلديات من تهرّب المواطن من الجباية. ولهذا يبقى أمر الأداءات في تونس رهينا لقدرة السّلط المحليّة على تطبيق القانون. ويبقى أيضا رهين ما إذا كانت البلديّة محدثة أو عريقة.
كان عدد البلديات في تونس خلال سنة 2014 264 بلدية تتوزّع على كامل تراب الجمهوريّة التّونسيّة. إلاّ أنّ السّعي وراء تغطية مختلف مناطق البلاد بالبلديات واستعدادا لانتخابات المجالس المحليّة سنة 2018، قامت وزارة البيئة والشّؤون المحليّة آنذاك بالزّيادة في عددها ليبلغ 350 مؤسّسة في الفترة الممتدّة بين سنتي 2015 و2016، أي بزيادة 86 إدارة محليّة إضافية.
الدّولة مشرّع للتهرّب من الأداءات بتعلّة السّلم الاجتماعي
بالرّغم من هذا العدد المهمّ للبلديات إلاّ أنّ أكثرها اليوم يشكو من ظاهرة ما فتئت تتفاقم مهدّدة مواردها الماليّة. ونعني بذلك ظاهرة التهرّب من خلاص معاليم الأداءات التي تفرضها السّلطة اللاّمركزيّة.
ففي تونس عدد كبير من المواطنين الذين لا يعترفون بالمسائل المتعلّقة بواجب الأداءات على العقارات أو النّظافة أو غير ذلك من أصناف المعاليم.
وهو الأمر الذي أدّى إلى تراكم الدّيون المثقلة جرّاء عدم التزام المواطنين بدفع الأداءات، وأدّى في المقابل إلى إخلالات في ميزانيّة المجالس المحليّة.
في هذا الإطار حدّثنا المكلّف بالنّفاذ إلى المعلومة ببلدية “نصرالله” من ولاية القيروان عن هذه الظّاهرة التي اعتبرها رهينة الإرادة السّياسيّة في فترة ما بعد الثّورة، فقال ” بعد الثّورة بات الأمر متّصلا بالأساس بعدم توفر الإرادة السّياسيّة في تفعيل النّصوص القانونيّة اللاّزمة لدفع المواطن للالتزام بخلاص الأداءات. الدّولة ترفض تفعيل النّصوص القانونيّة التي تمكّن البلديّة من إلزام المواطن لتسديد ما عليه من أداءات وذلك بتعلّة الحفاظ على الأمن والسّلم الاجتماعيين…”.
ويشير محدّثنا إلى تداعيات التّهرب من دفع الضّرائب وتأثيره على ميزانيّة المجلس ” إنّ تهرّب شخص واحد من الأداء في اليوم سينجرّ عنه تهرّب عديد الأشخاص خلال خمس سنوات، وستكون المداخيل بالنّسبة إلى المجلس منعدمة كليّا، باعتبار أنّ الجميع سيتهربّون بعد تهرّب شخص واحد”
ويواصل محدّثنا “أتذكّر جيّدا ما حدث بولاية القصرين سنة 2004 . فقد أطلقت وزارة الدّاخلية حملة أمنيّة استهدفت المهرّبين وحجزت سياراتهم… في اليوم التّالي توجّهت هذه الفئة إلى مقرّ الولاية ونظّمت وقفة احتجاجيّة أفضت في النّهاية إلى رفع قرار الحجز والتّراجع عن كلّ القرارات التي صدرت في حقّهم … كلّ أولئك الذين “استهدفوا” آنذاك تحوّلوا اليوم إلى أصحاب نفوذ بسبب ما جنوه من أرباح طائلة خارج إطار القانون الجبائي وبسبب التّهرّب الضّريبي “. ويتحدّث المصدر نفسه عن بعض الحلول التي يمكن أن تقضي على أشكال التهرّب من دفع الأداءات. ومن بين تلك الحلول حرمان كلّ شخص له أداءات متخلّدة بذمّته من كلّ الوثائق التي تقدّمها البلديّة لفائدته. فهو الحلّ الوحيد حتّى نتصّدى إلى ظاهرة تهرّب المواطن من دفع المعاليم الجبائيّة.
البلديات المحدثة : قلّة السّكان وضعف الموارد
يعتبر البعض أنّ المشكل الجبائيّ ليس في عدم دفع الأداءات وإنّما في ضعف موارد بعض البلديات المحدثة ونقص عدد سكّانها. فالمجلس المحلّي لبلديّة “لمطة” بولاية المنستير مثلا سجّل تراجعا في الدّخل الجبائي خلال الخمس سنوات الأخيرة بناء على المعطيات المدرجة على موقع البلديّة. فقد قدّرت نسبة المداخيل الجبائيّة سنة 2017 ب39% ( أكثر من 76 ألف دينار) لتتراجع بذلك إلى حدود 26 % خلال سنة 2021 ( ما يقابل 53 ألف دينار ) . وتمتدّ هذه المنطقة على حافّة الطّريق الرّقميّة 92 الرّابطة بين ولايتي سوسة والمنستير من جهة وولاية المهديّة من جهة أخرى. ويبلغ عدد السّكان 6026 ساكن، كما تمتدّ مساحتها الجغرافيّة على مدار 193 هكتارا .
في هذا السّياق أفادت المكلّفة بالنّفاذ إلى المعلومة أنّ بلديّة «لمطة” كغيرها من البلديات تشكو تهرّب المواطن من دفع معاليم الأداء البلدي. وأشارت إلى أنّه بالإضافة إلى التّهرب الجبائي للمواطنين، تشكو البلدية من ضعف الموارد. فالبلديّة محدثة . كما أنّ الكثافة السّكانية لها دور أيضا في إضعاف معدّل الموارد المتأتيّة من الأداءات. هذا فضلا عن افتقارها إلى العقارات وقلّة الأنشطة وعدم وجود شركات أو مؤسّسات إنتاج وكلّ ما يمكن أن يحقّق أرباحا جبائيّة. وكلّ هذه العوامل دعت إلى التّرفيع من نسبة دعم الدّولة للبلديّة بالمنطقة. وأدّت إلى تراجع أداء العمل البلدي.
بلدية السّند: الدّولة هي المسؤولة عن تهرّب المواطن من الجباية
في إطار الحرص على توسيع عيّنة التّقصي توجّهنا إلى بلديّة “السّند” التي تقع في ولاية قفصة ويبلغ عدد سكّانها 22589 ساكنا للتّعرف على مدى التزام المواطن التّونسي بخلاص الأداءات البلديّة. فأفادنا المكلف بالنّفاذ إلى المعلومة مكرم النّصيري بهذا التّصريح ” المواطن غير ملتزم تماما بخلاص الأداء البلدي… نحن نواجه مشكلا كبيرا في تونس. وهذا المشكل تعاني منه كلّ البلديات تقريبا. هو مشكل الدّيون المثقلة التي تتمثّل بالأساس في عدم خلاص المعاليم البلديّة المتعلّقة بما يعرف بـ ” الزّبلة و الخروبة”… والدّولة التّونسيّة كانت قد تدخّلت في هذا الملّف لفائدة المواطن . فأعفته من دفع معاليم الأداء البلدي ( يعرف بـ” الإعفاء الجبائي”) .حدث ذلك سنة 2019 . فالمواطن الذي يسدد معلوم الثّلاث سنوات ( من سنة 2016 إلى سنة 2019 ) يتمتّع ذلك بالإعفاء الجبائي لكلّ السّنوات السّابقة. فالدّولة هي من رسّخ سياسة التّهرّب من دفع المعاليم للبلديات “
وقد حمّل مكرم النّصيري الدّولة مسؤوليّة إعفائها للمواطن من الجباية. فالبلديات حسب تعبيره لم تعد تحقّق الموارد الماليّة المطلوبة بسبب العفو. وأضاف يقول ” في ما يتعلّق بملف الأداءات كنّا ببلديّة السّند قد حقّقنا نتائج إيجابيّة نوعا ما في استخلاص الأداءات والموارد المتأتيّة من الجباية… لكن ذلك يبقى دون المطلوب.”
في المقابل أشار النّصيري إلى أنّ هذه النّتائج لم تكن إراديّة تلقائيّة. وإنّما كانت بناء على ما تفرضه البلديّة حين يحتاج المواطن إلى طلب وثائق معيّنة، و يكون من بين شروط استخراج الوثائق أو إبرام العقود دفع معاليم الأداءات، ” المواطن لا يلتزم إراديّاً بخلاص المعاليم المستوجبة عليه وإنّما يدفع إليها دفعا في الحالات التي يكون فيها في موضع المحتاج لوثيقة من البلدية كالتّعريف بالإمضاء في عقود البيع والشّراء أو التّنازل في المنقولات مثل العقارات المبنيّة أو غير المبنيّة،كذلك رخص البناء أو رخص الاستغلال الوقتي للطّريق العام أو رخص استغلال التّيار الكهربائي أو الماء الصّالح للشّراب…أمّا في غير هذه الوضعيات فإنّ المواطن يكون في كلّ حلّ من واجباته الجبائيّة بالرّغم من كلّ الحملات التّحسيسيّة التي تطلقها البلدية بصفة دوريّة “.
ورجّح محدثنا أنّ من الأسباب التي عقّدت المسألة أكثر التّقييم الجديد و سياسة التّوسع في المناطق مع غياب مثال تهيئة عمرانيّة ودفع المواطن إلى عدم الالتزام بدفع المعاليم الجبائيّة. وختم حديثه مؤكّدا مسألة تراجع ثقة المواطن بالسّلطة المحليّة، وهو ما ساهم بصورة أو بأخرى في عدم التزام المواطن بدفع الأداءات وبالتّالي تراجع موارد البلديات المتأتيّة من الجباية ما دفع الدّولة إلى دعم عديد البلديات في تونس.
تبقى مسألة عدم التزام المواطن بخلاص المعاليم البلديّة ظاهرة تعاني منها أغلب البلديات. ويعود ذلك إلى سبيين رئيسييّن. أوّلهما يتعلّق بقرار الدّولة إعفاء المواطنين من الجباية المحليّة بتعلّة الحفاظ على الأمن والسّلم الاجتماعين. وثانيهما يتّصل بعدم وعي المواطن وغياب حملات التّوعية.
إسكنر نوار
طالب سنة ثانية صحافة استقصائية وصحفي