صندوق الانتقال الطاقي: نجاعته رهينة شفافية توزيع الاعتمادات
11 juin 2024
الديوان الوطني للسياحة والشفافية المالية
24 juin 2024

صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي: أزمة هيكلية عميقة مع غياب المعلومة المحينة

 

صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي:
 
أزمة هيكلية عميقة مع غياب المعلومة المحينة

في وقت احتدت فيه منافسة الوجهة السياحية التونسية مع بداية التسعينات من قبل دولتين شقيقتين مشرقا ومغربا، طورت الدولة التونسية سياستها العمومية في القطاع السياحي، ورسمت استراتيجيات تقوم أساسا على تنويع المنتوج السياحي التونسي وإثرائه، وعدم الاقتصار على السياحة البحرية التقليدية. فبعثت للوجود حساب خاص بالخزينة، يسمى “صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي” سنة 1996. ولكن تكاد تمر ثلاثة عقود على ولادته، ولا يزال يعيش عجزا عن الدفع بالقطاع السياحي لضعف موارده أمام النفقات المكلفة التي يتطلبها مجهود النهوض بالقطاع السياحي. 

يتولى الصندوق الذي تم إحداثه بمقتضى الفصل 58 من القانون عدد 109 لسنة 95 المؤرخ في 25 ديسمبر 1995 المتعلق بقانون المالية لسنة 1996، المساهمة في تمويل العمليات الرامية الى تحسين ترويج المنتوج السياحي وكل العمليات الهادفة الى الرفع من القدرة التنافسية في القطاع السياحي بصفة مباشرة أو غير مباشرة وذلك عن طريق هياكل مختصة. وتتمثل التدخلات في:

1) المساهمة في اثراء البرامج الترويجية والترفيهية لفائدة السياحة التونسية،
2) تمويل العمليات الترويجية التي يتم ضبطها بالاتفاق مع المنظمات المهنية،
3) تمويل المنح المسندة في إطار برامج تأهيل المؤسسات الفندقية بعنوان دراسة التشخيص والاستثمار.
4) تمويل الدراسات القطاعية والاستراتيجية المقترحة في إطار برنامج الترويج والاشهار وكل العمليات الرامية الى الرفع من القدرة التنافسية في القطاع السياحي

المنتفعون بتدخلات الصندوق

ينتفع ثلاثة أصناف من المتدخلين في القطاع السياحي بنفقات صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي، وهم الديوان الوطني التونسي للسياحة والجامعات المهنية للسياحة والمؤسسات الفندقية.

وفي الواقع، يمنح لهم الصندوق مساعدات مالية متعلقة ببرنامج تأهيل المؤسسات الفندقية في شكل منحة لتمويل إنجاز التشخيص السابق لبرنامج التأهيل الخاص بكل مؤسسة فندقية في حدود 70% من كلفة التشخيص على أن لا تتعدى 20 ألف دينار.

ويمكن إسناد هذه المنحة أيضا إلى المؤسسة الفندقية التي أنجزت التشخيص السابق لبرنامج التأهيل. وتخصص هذه المنحة لتغطية تكاليف الاستثمار في العناصر المادية كالتجهيزات الفندقية الكبيرة وفي العناصر اللامادية كتعصير نظم التسيير والتصرف في المؤسسة الفندقية، وفي الموارد البشرية ومخططات الجودة. وتكون منحة الاستثمارات المادية واللامادية في حدود 10 % من كلفة الاستثمارات المادية واللامادية على أن لا تتعدى 150.000 د للفندق الواحد.

موارد الصندوق

يُمول صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي من اعتمادات مخصصة من الموارد الجبائية التالية:
– معلوم قدره 1% من رقم المعاملات خال من الأداء على القيمة المضافة المحقق من قبل مستغلي المؤسسات السياحية والمطاعم المصنفة يدفع مع كل تصريح شهري بالأداءات.
– معلوم شهري قدره 2 دينار يحتسب عن كل مقعد معروض بالنسبة لوسائل النقل السياحي، دون اعتبار مقعد السائق يدفعه أصحاب وسائل النقل السياحي المستغلة من قبل وكالات الأسفار المتحصلة على رخصة من صنف “أ”.

نفقات الصندوق

ورد في ميزانية سنة 2024 (مهمة السياحة – ص.24-25) أن النفقات المحمولة على صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي بلغت 8 مليون دينار سنة 2024 وھي نفس الاعتمادات المرسمة سنة 2023. وقد ورد في جدول تفصيلي لنفقات الحسابات الخاصة (ص.64-65) في نفس الوثيقة، أن صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع السياحي تدخل لتمويل عمليات التأهيل السياحي ووحدة التصرف في الموانئ البحرية بقيمة 8 مليون دينار.

وتقول نفس الوثيقة، أن نفقات تدخلات الصندوق شملت المجال الاقتصادي بمبلغ 1,790مليون دينار، وذلك في شكل منحة لفائدة الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة بمبلغ 150 ألف دينار، ومنحة للجامعة التونسية للنزل بقيمة 560 ألف دينار، ومنحة للجامعة التونسية للمطاعم السیاحیة بمبلغ 80 ألف دينار، ومنحة لبرنامج تأهيل المؤسسات الفندقیة بمبلغ 1 مليون دينار. كما تضمنت التدخلات أيضا منحة لفائدة الديوان الوطني التونسي للسياحة بمبلغ 6,210 مليون دينار، توزعت لدعم التظاهرات والمهرجانات بمبلغ 4 مليون دينار، ولدعم النقل الجوي بمبلغ 2,210 مليون دينار.

تكاد تكون هذه التقديرات منقولة حرفيا عن تقديرات سابقة وردت بميزانية الدولة لسنة 2023 (مهمة السياحة) إجمالا بالصفحة 23، وبالجداول التفصيلية لنفقات الحسابات الخاصة (ص.60-61)، وبميزانية الدولة لسنة 2022 (مهمة السياحة) بصفة إجمالية بالصفحتين 67 و68.  وتؤكد نفس وثيقة الميزانية بسنة 2022، أن نفس هذه الاعتمادات مرسمة بميزانية سنة 2021.

ونلاحظ في هذا المقام، أولا، غياب المعطيات الدقيقة المتعلقة بالاعتمادات المحققة والنفقات الموزعة بعد الإذن بصرفها. ولهذا، فإن مجرد الاعتماد على تقديرات الميزانية بصفة آلية ومجردة ودون رجوع إلى الواقع، لن يساعد على فهم الأوضاع الصعبة التي يشهدها الصندوق. لأنه في الأخير، طالما تغيب المعلومة الدقيقة والمحينة يصعب التسليم بنجاعة البرامج المرسومة وباستنادها إلى تقييم علمي دقيق.

في ضرورة تجاوز الأزمة الهيكلية

يبدو أن هذه الوضعية تخفي أزمة هيكلية عميقة يعيشها الصندوق. وهي أزمة شغلت نواب الشعب الذين وجهوا أسئلتهم لوزير السياحة في خصوص ضعف موارد الصندوق وضعف تدخلاته، خلال جلسة استماع عقدتها لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية يوم الأربعاء 11 أكتوبر 2023، حول موضوع عائدات الموسم السياحي. وفي الحقيقة، لقد صارح فيها الوزير نواب الشعب حين أكد تواصل ضعف مداخيل صندوق تنمية القدرة التنافسية للقطاع السياحي التي سوف تؤثر حتما على دعم التظاهرات والمهرجانات السياحية. واقترح الوزير الترفيع في موارد الصندوق بتوسيع قاعدة تشريك مختلف المنتفعين من القطاع السياحي في تمويل هذا الصندوق، بما يُمكن من مزيد دعم هذه التظاهرات والمهرجانات نظرا لأهميتها في تنشيط الحركية السياحية والاقتصادية ببلادنا.

ويتأكد أنه حان الوقت، لتطوير التشريع المنظم للصندوق الذي يعود إلى ثلاثة عقود تقريبا والعمل على إعادة هيكلة الصندوق وحوكمة تسييره وعقلنة التصرف في اعتماداته ونفقاته.  

وعلى غرار عدة صناديق أخرى فإن برنامج حوكمة هذا الصندوق وإعادة هيكلته يتطلب جهدا مشتركا بين كل المتدخلين في القطاع من وزارة الإشراف وأصحاب المهن السياحية وكل القدرات والكفاءات الوطنية النشيطة ضمن المجتمع المدني أو في المراكز البحثية والأكاديمية.

 

 
 
 
 
 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *