تغطية مصورة لورشة العمل الثانية لـصناديق وحسابات الخزينة، من أجل مالية عمومية شفافة
8 août 2024
صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية: آلية جديدة لدعم الفلاحين المُجاحين
16 août 2024

صندوق حماية المناطق السياحية: ضعف في الموارد والنفقات إلى متى؟

 

صندوق حماية المناطق السياحية: ضعف في الموارد والنفقات إلى متى؟

 

بالإضافة إلى الميزانية المخصصة لوزارة السياحة، بادر المشرع التونسي ببعث آلية إضافية لتمويل القطاع السياحي في سبيل تنويع الوجهات السياحية وإثراء الخدمات المقدمة للسياح، طبقا لاستراتيجية وطنية تأخذ بعين الاعتبار أهمية القطاع في النسيج الاقتصادي التونسي وفي التوازنات المالية الكبرى.

وتتمثل هذه الآلية في حساب خاص للخزينة، يسمى “صندوق حماية المناطق السياحية”، تم إحداثه بمقتضى الفصول من 38 إلى 40 من القانون عدد 122 لسنة 1992 المؤرخ في 29 ديسمبر 1992 المتعلق بقانون المالية لسنة 1993. ويتولى هذا الصندوق تقديم مساعدات مالية للبلديات التي توجد بها مناطق سياحية، وذلك لدعم عملها في مجال النظافة والتطهير. ويتولى الوزير المكلف بالسياحة الإذن بصرف موارده. ويُمول الصندوق بـنسبة 50% من مردود المعلوم على النزل المستوجب على المؤسسات المتواجدة بالمناطق السياحية المصنفة. وتنتفع بخدماته وموارده المناطق البلدية السياحية التي تحدد بأمر، والتي تم الترفيع في عددها مؤخرا بمقتضى الأمر عدد53 لسنة 2023 مؤرخ في 31 جانفي2023 الذي   أضاف 10 مناطق بلدية سياحية جديدة وهي بني مطير، البقالطة، النفيضة، غمراسن، المحرس، قلعة سنان، بني خداش، السند، الزارات، دخيلة توجان، ليصل العدد الجملي للمناطق السياحية إلى 57 منطقة بلدية سياحية بالبلاد التونسية.

موارد الصندوق ونفقاته

طبقا للمعلومات التي توفرت للجمعية، بلغت الموارد التي حققها صندوق حماية المناطق السياحية، 108,2 مليون دينار وذلك الى غاية موفى شهر ديسمبر 2023. في حين لم تتجاوز المبالغ الموزعة 3,4 مليون دينار ولم يتجاوز المبلغ الذي تم الإذن بصرفه 4,87 مليون دينار.

وفي الواقع، تغيب الأرقام عن النشريات الرسمية التي تُمكننا من تتبع إنفاق الموارد المحققة ومقارنة مدى تطابقه مع الأهداف المحددة لهذا الحساب. ولم يبق لنا أن نتعامل إلا مع التقديرات الرسمية.

تضمنت وثائق مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 (مهمة السياحة) (ص.24-25) أنه تم برمجة النفقات المحمولة على صندوق حماية المناطق الساحلية في حدود 10 مليون دينار، خُصصت كليا لتمويل الاستثمارات في میدان الخدمات والبنية الأساسية بهدف تحسین المحیط السیاحي للبلدیات.

وبالعودة أيضا إلى ما تضمنته ميزانية الدولة لسنة 2023 (مهمة السياحة) (ص.23)، وميزانية الدولة لسنة 2022 (مهمة السياحة) (ص.63-64)، تتكرر نفس الأرقام والتقديرات وبنفس الجداول والعبارات. وهذه الأخيرة تشير بدروها إلى أنها حافظت على نفس الموارد والتقديرات لسنة 2021. حيث اكتفت وزارة المالية في إعداد ميزانيتها بمجرد تقديرات دون ذكر الاعتمادات المحققة والنفقات المأذون بصرفها والتي انتفع بها القطاع بصورة فعلية. ويبدو أن الاكتفاء خلال إعداد ميزانية وزارة السياحة بمجرد تقديرات، تعد من العوامل التي ساهمت في عدم تطور تدخلات الصندوق.

وفي هذا المجال، يمكن ملاحظة المفارقات الكبرى في حسابات الصندوق، من بينها، أولا، الاختلال الكبير بين قيمة الموارد التي يحققها والتي بلغت 108,2 مليون دينار في سنة 2023، وضعف المبالغ التي يتم انفاقها والتي لم تتجاوز 4,87 مليون دينار خلال نفس السنة. وثانيا، التفاوت الواضح بين ضعف الموارد المبرمجة ضمن ميزانية الدولة التي استقرت على مدى سنوات في حدود 10 مليون دينار، في مقابل الموارد المالية الهامة للصندوق المبينة أعلاه. ويبدو واضحا أن البلديات المعنية لم تنتفع  بموارد الصندوق لتساهم في النهوض بالسياحة بالمناطق البلدية السياحية. 

ويبدو أن حسابات الصندوق عامة، وهذه المفارقات البارزة بصفة أخص، تخفي صعوبات أعمق يشهدها الصندوق منذ بعثه، وهي صعوبات هيكلية وليست صعوبات عابرة. ولم تعد الوضعية المالية الصعبة لصندوق حماية المناطق الساحليةتخفى على أحد من المعنيين بالقطاع السياحي في المناطق البلدية وبالشأن العام. فقد أثيرت هذه الوضعية في جلسة استماع عقدتها لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية، بمجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 11 أكتوبر 2023، مع وزير السياحة السيد محمد المعز بلحسين حول موضوع عائدات الموسم السياحي، حيث تساءل خلالها النواب حول ضعف مداخيل صندوق حماية المناطق السياحية لدعم البلديات السياحية. فلم ينكر الوزير ذلك، وأكد على تواصل ضعف مداخيل هذا الصندوق بالرغم من أنه تم الترفيع في عدد البلديات السياحية من 47 إلى 57 بلدية سياحية حاليا، مع وجود ملفات أخرى بصدد الدرس.

 لم يتغير شيء في اعتمادات وتدخلات الصندوق على الأقل منذ جلسة العمل التي جمعت وزير للسياحة السابق روني الطرابلسي بوزير الشؤون المحلية والبيئة مختار الهمامي، يوم الإثنين 15 جويلية 2019 بمقر وزارة الشؤون المحلية والبيئة والتي التأمت بحضور ممثلين عن مختلف الهياكل المعنية بالوزارتين وذلك في إطار متابعة الأوضاع البيئية بالمناطق السياحية وتنفيذ برامج صندوق حماية المناطق السياحية لسنة 2019 وتوجيه تدخلاته لمعاضدة البلديات للرفع في مستوى النظافة بالمناطق والمسالك السياحية…

ومن الواضح أن وضعية الصندوق لم تتغير حتى بعد إمضاء محضر اتفاق بين الوزيرين المذكورين لإقرار اعتمادات مالية بحوالي 10 مليون دينار تخصص لفائدة البلديات السياحية في شكل منح مرصودة لمعاضدة المجهودات المبذولة للرفع من مؤشرات النظافة وتدعيم وسائل التدخل والبنية التحتية بالمناطق السياحية في البلديات المشمولة بتدخل الصندوق.

ويمكن القول أن الصعوبات التي يشهدها صندوق حماية المناطق الساحلية، ليست عابرة أو ظرفية بل هي صعوبات هيكلية بالأساس، تتطلب عملا جديا مشتركا بين كل من وزارة الإشراف والوزارات المتدخلة والهياكل البلدية ذاتها وأصحاب المهن السياحية وكل القدرات والكفاءات الوطنية في المجال من أجل تجاوز هذه الأزمة المزمنة والتي ألقت بظلالها على وضعية المناطق الساحلية.

 
 
 
 
 
 
 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *